رام الله- يوسف الشايب
كان جمهور مهرجان "سين" لفن الفيديو والأداء، في دورته الثانية، على موعد مع الفنان الفلسطيني ضرار كلش، في أول عرض أدائي، اعتمد فيه على مواجهة الصوت وتحديه عبر التعاطي معه كمادة، وعدم تجاوزه تحت داعي الانزعاج، أو الذكرى المؤلمة، أو حتى لدواع سياسية.
وكانت ساحة مركز خليل السكاكيني الثقافي، مسرحاً لعرض كلش الذي يندرج في إطار العروض الصوتية الموسيقية الحديثة، حيث استخدم إضافة إلى آلات موسيقية شرقية وغربية، تقنيات كالحاسوب المحمول، وتقنيات التحكم الصوتي، والفيديو، ليخرج على مدار أكثر من 40 دقيقة بعمل فرض نفسه على حواس المستمعين، وآذان المارة الذين وصفوه بـ"الغريب"، وهو كفنّ حديث العهد في فلسطين، لكنه بالتأكيد يؤكد أن فلسطين جزء من عالم اليوم بكل تجلياته.
وقال كلش عقب العرض: العمل في هذه الطريقة خاصة في العالم الذي نعيشه اليوم، يأتي عبر رؤية العودة إلى التعامل مع الآلات الموسيقية منها، والتقنية، كمادة فيزيائية، وبطريقة بعيدة عن المفاهيم السائدة بالنسبة لهذه الآلات، وللموسيقى بشكل عام .. لهذا الاتجاه العديد من التداعيات منها التعاطي مع الأشياء بماديتها كما هي لا برمزيتها ودلالاتها.
وأضاف كلش: لا تحكمني النظريات التاريخية في التعاطي مع الأداء الموسيقي، هذه النظريات المسيسة في الأساس .. علاقتي بالعالم الخارجي هي ذاتها علاقتي بالموسيقى .. أنا أنتصر كمنتج للفن وبما أعايشه في بيئتي للحقيقة، ولما هو موجود في الواقع، على عكس الكثير من الإنتاجات التي تعبر عن مواقع سلطوية ما.
وأكد كلش: صحيح أن هذا النوع من الموسيقى لا تراه على الفضائيات، سواء أكانت أوروبية أم أميركية أم فلسطينية أم سورية أم مصرية، لكنها موجودة .. صحيح أنه لا يوجد فنانون يعملون بكثافة في هذا المجال في فلسطين، لكن هذا لا يعني أن فلسطين معزولة عن العالم، كل ما في الأمر أن فلسطين تنتظر فرصة أن يأتي أحد أبنائها ليتعاطى مع هذه الفنون، ومنها هذا النوع من الأداء الموسيقى .. كثيرون يتعاطون مع الفن كوسيلة للتسلية، وكثيرون يعمدون إلى نسيان جميع الأصوات التي يحملونها معهم في تفاصيل يومهم التي قد يرونها مزعجة، وبالتالي يتجهون نحو أغنية هادئة قبل النوم .. ما أقوم به هو نوع من مواجهة وتحدي هذه الأصوات عبر أعمالي .. لا أهرب من أصوات الحقيقة.
أما بشار الحروب، القيّم المشارك في المهرجان، فقال: عرض ضرار إشكالي من حيث تقبل المجتمع الفلسطيني له .. لكن أهمية عمله على غرابته، هي أنه متفرد، ويسعى لفرض وجوده .. هذا العرض يندرج في إطار الرؤية الشبابية الفلسطينية الجديدة فيما يتعلق بفني الفيديو والأداء، ضمن ما يعرف بعروض الأداء الصوتي .. أهمية عرض ضرار كلش بكينونته، دون الدخول في تفاصيل العرض، ورؤية وفلسفة الفنان من ورائه، وغير ذلك من الأسئلة المبررة للعامة.
وأضاف الحروب: خطورة هذه الأعمال الفنية المعاصرة تكمن في سهولة اكتشاف خللها، على عكس الأعمال الفنية الكلاسيكية .. الأعمال المعاصرة تتطلب وضوح رؤية وحذراً.. ضرار كلش هو الوحيد والمتفرد في التجريب في الأداء الصوتي بهذه الطريقة، بعيداً عن التركيب الصوتي السائد لدى عديد الفنانين الفلسطينيين.
وكانت فعاليات الدورة الثانية من مهرجان "سين" لفن الفيديو والأداء، انطلقت، مساء أول من أمس، في مؤسسة عبد المحسن القطان، قبل ساعتين من عرض كلش، بكلمات لممثلي عدد من المؤسسات الفلسطينية والأجنبية المنظمة للمهرجان، ففي وقت شدد فيه كل من زياد خلف، المدير التنفيذي لمؤسسة عبد المحسن القطان، وعبد الجعبة مدير مركز خليل السكاكيني الثقافي، وإيناس ياسين مديرة متحف المقتنيات التراثية والفنية في جامعة بيرزيت، على أهمية المهرجان كتعبير عن الشراكة بين عديد المؤسسات الفلسطينية والأجنبية، وكتعبير عن انفتاح فلسطين على العالم عبر هذين الفنين (فن الفيديو والأداء)، أشار يورغ شوماخر، مدير القسم الألماني في المركز الثقافي الفرنسي الألماني في رام الله، إلى أن مدينة رام الله بدأت تتحول باتجاه أن تكون عاصمة "الفيديو آرت" في العالم العربي، عبر مهرجان "سين"، في حين أشار رفيقه فيليب بولونيي مدير الجزء الفرنسي في المركز إلى أن المهرجان الذي يفترض ألا يزال طفلاً يحبو، وهو في عمر الثانية، بات شاباً يافعاً ذا حضور مهم على مستوى الإقليم حالياً، وربما على المستوى العالمي قريباً.
أما مارك مارسيه، قيم المهرجان، فتحدث في كلمته المؤثرة عن تزامن توقيت المهرجان بعد ربيع وصيف الثورات العربية، مشدداً على أن الفنون بالتأكيد تحمل قيم التحرر، وترفض الدكتاتورية والاستبداد، وخاصة فن كـ"الفيديو آرت"، معرباً عن أمله أن فلسطين ستتحول مع الدورة الثالثة لمهرجان "سين" ليس فقط عاصمة عربية لـ"الفيديو آرت"، بل عاصمة العالم الحرة.